مناهج الدراسة ومفرداتها في اللغة العربية

.

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
05/08/2007 06:00 AM
GMT



ثمة حاجة فعلية لقيام تغيير منهجي فاعل في الدراسات اللغوية والأدبية الجامعية، لبناء معرفة لا تقوم على التعريف أو عند حدود الأوليات فقط مما يتعهده الأكاديميون المتزمتون ودعاة السلفية والانغلاق الفكري، بل ينبغي أن يأخذ التغيير مساره إلى عمق (التجربة) المنهجية التي اتسعت بعد ظهور علوم اللسانيات وما تفرعت إليه من حقول واتجاهات لا يمكن غض النظر عنها أو الانزواء عن أشعة سياقاتها وأصولها ومعطياتها من أن تمسنا بضوء فينقض ما التففنا حوله منذ قرون من ركام صنمي لا ننفك عن تقديسه والانحناء تحته.

إن ما ينقص الطالب الجامعي في ما يتلقى من دروس في اللغة والنحو والأدب والبلاغة ومناهج البحث وما إليها.. لكبير، فمن جهة ثمة تعريض يوجهه المعنيون أنفسهم في الملتقيات والاجتماعات والمجالس بمستوى إتقان الطالب للغته وللأداء الكلامي ولما ينبغي أن يكون قد لقن إياه من موروث ومن التزام وإدراك لصيقين بالطاعة لهذا الموروث ولممثليه، هذا التعريض غير المنسجم مع الانكباب على هذه المهمة بانكفاء وادعاء لـ (الخصوصية) العربية التي تجد مثالها في التشبث بقدسية الماضي، التي كثيراً ما تدمغ بحجج باهرة عن قدسية النص الإلهي الذي وجدت اللغة العربية من أجله، كأن لا حاجة لهذه اللغة خارج إطار هذه القدسية، ومن جهة أخرى يعم الخواء الفكري والجمود العقلي إلى حد انعدام الإحساس بمصيبة خفوت القدرة المنهجية عند الدارسين وتكرار الدراسة على منوال واحد، وكثيراً ما أشتكى المتخصصون باللغة من نفاد الموضوعات الصالحة للدراسة في حقل اللغة، أما المتخصصون بالأدب فعندهم مجال أرحب قليلاً بحكم إطلاق سراح الأدباء المحرمة دراستهم في عهد النظام السابق، ولكن بأية طريقة تتم الدراسة أو على أية أسس تعتمد؟ فذلك سؤال غائب، المهم أن لا تتكرر عناوين الرسائل الجامعية من دون تصور لمديات الاختلاف المنهجي ووسائل الباحث وأدواته في الدرس، والارتهان دوماً إلى تاريخ الأدب.

لقد تمكنت الأصوات السلفية المسيطرة على مواقع توجيه الدراسات الأكاديمية من حجب أية فرصة للتغيير في مفردات الدراسة وفي تعميقها، وأن ما هو موجود من حصص دراسية على مدى الأعوام الأربعة التي يدرس خلالها طلبة قسم اللغة العربية في الكليات الإنسانية، قد مهر بختم ما يدعى باللجان القطاعية المتكونة من أساتذة مفضلين على أسس، هي غير أسس التمييز العلمي والنشاط البحثي، وان الأمور تظل على حالها في إرجاء مستمر في ظل غياب عملية انتخاب الطاقات المتميزة، التي لا يكون من صالحها التصويت بحكم إن أغلبية الملاكات التدريسية متقاربة المستوى إن لم نقل أنها على مستوى متواطأ عليه، خاصة مع ضم تدريسيين إلى ملاكات الأقسام بعد أن نشأوا طلبةً في ظل واقع معلوم وميسر لمثل هذه الاستمرارية، في ظل عرابيهم من أرباب إبقاء الوضع على ما هو عليه.

ليست المطالبة بتغيير مناهج الدراسة ومفرداتها في أقسام اللغة العربية بمجدية في نطاق الاجتماعات الخاصة بكل قسم، خاصة مع وجود مركزية في هذا الشأن ترتبط أو ارتبطت في السنين السابقة بسياسات النظام الغابر وممثليه ممن يمارس عمله الآن دون أي خروج عن هذه السياسات فهي تضمن الحفاظ على المواقع، والبقاء على الجهل المستشري بين جموع الشباب الذين قد اعتادوا السهولة والتدني منهم ومن تدريسييهم، أو أنهم لم يدخلوا غمار معرفة مختلفة إلا بحدود لا تكاد تخرجهم من سباتهم، ففي غياب كل رافد علمي متأتٍ من الغرب (بحكم أن الطفرة المنهجية - ولا بد من أن نعترف بذلك - قادمة من الحضارة الغربية ونهجها التقدمي غير المنكفئ على ذاته) في غياب كل اطلاع على الخصائص والمفاهيم والأصول والمعارف للآداب والمعطيات النقدية والفلسفية والعلمية يتخلف الطلبة كل يوم حتى ينالوا شهادة التخرج - شهادة التحرر من أيما استزادة معرفية أو قراءة أو حوار والاستسلام لثقافة الشارع المتسيدة والتاركة أثرها على حياتنا عامة وفقداننا لأمننا ولإدراكنا ولخياراتنا الإنسانية - في غياب كل قراءة أو بناء معرفي يزداد ركام القصائد الرنانة وينحسر مد التفكير واستثمار آليات العقل وخبرات الوجود.. يظل يردد ألفية ابن مالك قانعين زاهدين بنتاج أفذاذ الإنسانية الذين وسعوا افقها وجددوا ثمرها العقلي والنفسي والروحي بما ينبغي أن يتذوقه طلبة المعرفة اللائقين بها.